فصل: فَصْل فيما يندفع به شر الحاسد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فَصْل في الصبر على النعم:

وكَانَ ما يلقى الْعَبْد فِي هَذِهِ الدار لا يخلو من نوعين: أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر مخالفه وَهُوَ محتاج إِلَى الصبر فِي كُلّ منهما، أما النوع الموافق لغرضه: فكالصحة والسلامة والجاه والْمَال وأنواع الملاذ المباحة وَهُوَ أحوج شَيْء إِلَى الصبر فيها من وجوه:
أحدهما: أن لا يركن إليها ولا يغتر بها ولا تحمله على البطر والأشر والفرح المذموم الَّذِي لا يحبه الله وأهله.
الثانى: أن لا ينهمك فِي نيلها ويبالغ فِي استقصائها فَإِنَّهَا تنقلب إِلَى أضدادها. فمن بالغ فِي الأكل والشرب والجماع انقلب ذَلِكَ إِلَى ضده وحرم الأكل والشرب والجماع.
الثالث: أن يصبر على أداء حق الله فيها ولا يضيعه فيسلبها.
الرابع: أن يصبر عَنْ صرفها فِي الحرام، فلا يمكن نَفْسهُ من كُلّ ما تريده مَنْهَا فَإِنَّهَا توقعه فِي الحرام، فَإِنَّ احترز كُلّ الاحتراز أوقعته فِي المكروه، ولا يصبر على السراء إلا الصديقون. وقَالَ عبد الرحمن بن عوف رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
ولِذَلِكَ حذر الله عباده من فتنة الْمَال والأزواج والأولاد فقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} وقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}.
ولَيْسَ المراد من هَذِهِ العداوة ما يفهمه كثير من النَّاس، إنها عداوة البغضاء والمحادة بل، إنما هِيَ عداوة المحبة الصادة للأباء عَنْ الهجرة والجهاد وتعلم العلم والصداقة وغير ذَلِكَ من أمور الدين وأعمال البر.
كما فِي جامَعَ الترمذى، مِنْ حَدِيثِ إسرائيل حدثنا سماك عَنْ عكرمة عن ابن عباس وسأله رجل عَنْ هَذِهِ الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قَالَ: هؤلاء رِجَال أسلموا من أهل مَكَّة فأرادوا أن يأتوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فَلَمَّا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا النَّاس قَدْ فقهوا فِي الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} الآية. قَالَ الترمذى: هَذَا حديث حسن صحيح.
وما أكثر ما فات الْعَبْد من الكمال والفلاح بسبب زوجته وولده وَفِي الْحَدِيث: «الولد مبخلة مجبنة». وقَالَ الإِمَام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب قَالَ حدثني زيد بن واقَدْ قَالَ حدثني عَبْد اللهِ بن بريدة قَالَ سمعت أبي يَقُولُ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فَجَاءَ الحسن والحسين عَلَيْهِمَا قميصان أحمران يمشيان ويعثران. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثُمَّ قَالَ: «صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، نظرت إِلَى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حَتَّى قطعت حديثي ورفعتهما». وهذ من كمال رحمته صلى الله عليه وسلم ولطفه بالصغار وشفقته عَلَيْهمْ، وَهُوَ تعليم منه للأمة الرحمة والشفقة واللطف بالصغار.
وإنما كَانَ الصبر على السراء شديد لأنه مقرون بالقدرة والجائع عَنْدَ غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عَنْدَ حضوره، وكَذَلِكَ الشبق عَنْدَ غيبة المرأة أصبر منه عَنْدَ حضورها مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إِلَى الْفِعْل وسهولته على الْعَبْد، فإذا اجتمَعَ فِي الْفِعْل هَذَا الأمران كَانَ الصبر عَنْهُ أشق شَيْء على الصابر وإن فقدا معًا سهل الصبر عَنْهُ، وإن وَجَدَ أحدهما وفقَدْ الآخر سهل الصبر من وجه وصعب من وجه، فمن لا داعي إِلَى القتل والسرقة وشرب المسكر وأنواع الفواحش ولا هُوَ مسهل.
فصبره عَنْهُ أيسر شَيْء وأسهله، ومن أشتد داعيه إِلَى ذَلِكَ وسهل عَلَيْهِ فعله فصبره عَنْهُ أشق شَيْء ولهَذَا كَانَ صبر السُّلْطَان عَنْ الظلم، وصبر الشاب عَنْ الفاحشة، وصبر الغنى عَنْ تناول اللذات والشهوات عَنْدَ الله بمكَانَ.
وَفِي المسند وغيره عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «عجب ربك من شاب لَيْسَتْ لَهُ صبوة». ولِذَلِكَ استحق السبعة المذكورون فِي الْحَدِيث الَّذِينَ يظلهم الله في ظِلّ عرشه لكمال صبره ومشقته، فَإِنَّ صبر الإِمَام المتسلط على العدل فِي قسمه وحكمه ورضاه وغضبه وصبر الشاب على عبادة الله ومخالفة هواه.
وصبر الرجل على ملازمة المسجد وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة حَتَّى عَنْ بعضه وصبر المدعو إِلَى الفاحشة مَعَ كمال جمال الداعي ومنصبه، وصبر الْمُتَحَابِّينَ فِي الله على ذَلِكَ فِي حال اجتماعهما وافتراقهما، وصبر الباكي من خشية الله على كتمان ذَلِكَ وإظهاره للناس من أشق الصبر.
أَمَا وَالَّذِي لا يَمْلُكُ الأَمْرَ غَيْرُهُ ** وَمَنْ هُوَ بِالسِّرِّ الْمُكَتَّمِ أعْلَمُ

لَئِنْ كَانَ كِتْمَانُ الْمَصَائِبِ مُؤْلِمًا ** لإِعْلانِهَا عِنْدِي أَشَدُّ وَأَعْظَمُ

وَبِي كُلُّ مَا يُبْكِي الْعُيُونَ أَقَلَّهُ ** وَإِنْ كُنْتَ مِنْهُ دَائِمًا أَتَبَسَّمُ

آخر:
وَقَدْ يَلْبَسُ الْمَرْءُ خَزَّ الثِّيَابْ ** وَمِنْ دُونِهَا حَالَةٌ مُضِنيَهْ

كَمَنْ يَكْتَسِي خَدَّهُ حُمْرَةٌ ** وَعَلَّتُهَا وَرَمٌ فِي الرِّيَهْ

ولهَذَا كَانَتْ عقوبة الشَّيْخ الزاني والملك الكذاب والفقير المحتال أشد العقوبات لسهولة الصبر عَنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ المحرمَاتَ عَلَيْهمْ لضعف دواعيها فِي حقهم، فكَانَ تركهم الصبر عَنْهَا مَعَ سهولته عَلَيْهمْ دليلاً على تمردهم على الله وعتوهم عَلَيْهِ، ولهَذَا كَانَ الصبر عَنْ معاصى اللسان والفرج من أصعب أنواع الصبر لشدة الداعي إليهما وسهولتها.
فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان كالنميمة والغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضًا وتصريحًا، وحكاية كلام النَّاس والطعن على من يبغضه ومدح من يحبه ونحو ذَلِكَ.
فتتفق قوة الداعي وتيسر حركة اللسان فيضعف الصبر ولهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «أمسك عَلَيْكَ لسانك». فقَالَ: وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقَالَ: «وهل يكب النَّاس فِي النار على مناخرهم إلا حصاد أَلْسِنَتِهِمْ».
ولا سيما إِذَا صَارَت المعاصي اللسانية معتادة للعبد، فإنه يعز عَلَيْهِ الصبر عَنْهَا ولهَذَا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النَّهَارَ ويتورع من استناده إِلَى وسادة حرير لحظة واحدة ويطلق لِسَانه فِي الغيبة والنميمة والتفكه فِي أغراض الخلق.
وَرُبَّمَا خص أهل الصلاح والعلم بِاللهِ والدين والقول على الله ما لا يعلم وكثير ممن تجده يتورع عَنْ الدقائق من الحرام والقطرة من الخمر ومثل رأس الإبرة من النجاسة، ولا يبالي بارتكاب الفرج الحرام وَاللهُ أَعْلَمُ. وصلى الله على مُحَمَّد.

.فَصْل فيما يندفع به شر الحاسد:

وقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: يندفع شر الحاسد عَنْ المحسود بعشرة أسباب: أحدهما: التعوذ بِاللهِ من شره والتحصن به واللجأ إليه، والله تَعَالَى سميع لإستعاذته، عليم بما يستعيذ منه. والسمَعَ هنا المراد به سمَعَ الإجابة لا السمَعَ العام فهو مثل قوله: سمَعَ الله لمن حمده.
وقول الخليل صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} ومرة يُقْرِنَهُ بِالعلم ومرة بالصبر لإقتضاء حال المستعيذ ذَلِكَ.
فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن الله يراه ويعلم كيده وشره فأخبر الله تَعَالَى هَذَا المستعيذ أنه سميع لإستعاذته أي مجيب عليم بكيد عدوه، يراه ويبصره ليبسط أمل المستعيذ ويقبل بقَلْبهُ على الدُّعَاء.
السبب الثانى: تقوى الله وحفظه عَنْدَ أمره ونهيه فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إِلَى غيره. قَالَ تَعَالَى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}. وقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: «احفظ الله يحفظك، واحفظ الله تجده تجاهك». فمن حفظ الله حفظه الله، ووجده أمامه أينما توجه، ومن كَانَ الله حافظه وأمامه فمن يخاف ومن يحذر.
السبب الثالث: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نَفْسهُ بأذاه أصلاً. فما نصر على حساده وعدوه بمثل الصبر عَلَيْهِ، ولا يستطل تأخيره وبغيه. فإنه كلما بغى عَلَيْهِ كَانَ بغيه جندًا وقوة للمبغي عَلَيْهِ المحسود يقاتل به الباغى نَفْسهُ، وَهُوَ لا يشعر فبغيه سهام يرميها من نَفْسهُ إِلَى نَفْسهُ.
ولو رأى المبغي عَلَيْهِ ذَلِكَ لسره بغيه عَلَيْهِ، ولكن لضعف بصيرته لا يرى إلا صورة البغي دون آخره وماله. وقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ}، فإذا كَانَ الله قَدْ ضمن لَهُ النصر مَعَ أنه قَدْ استوفى حقه أولاً.
فَكَيْفَ بمن لم يستوف شَيْئًا من حقه بل بغى عَلَيْهِ وَهُوَ صابر، وما من الذُّنُوب ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم وقَدْ سبقت سُنَّة الله: «أنه لو بغى جبل على جبل لجعل الباغي منهما دكًا».
السبب الرابع: التوكل على الله فمن يتوكل على الله فهو حسبه والتوكل من أقوى الأسباب التِي يدفع بها الْعَبْد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وَهُوَ أقوى الأسباب فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الله حسبه أي كافيه.
ومن كَانَ الله كافيه وواقيه فلا مطمَعَ فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لابد منه كالحر والبرد والجوع والعطش. وإما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا. وفرق بين الأذى الذي هُوَ فِي الظاهر إيذاء لَهُ وَهُوَ فِي الحَقِيقَة إحسان إليه وإضرار بنفسه وبين الضَّرَر الذي يتشفى به منه.
قَالَ بَعْض السَّلَف: جعل الله لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عَلَيْهِ نفس كفايته لعبده فقَالَ: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ولم يقل نؤته كَذَا وَكَذَا من الأجر كما قَالَ فِي الأَعْمَال، بل جعل نَفْسهُ سُبْحَانَهُ كافي عبده المتوكل عَلَيْهِ وحسبه وواقيه، فلو توكل الْعَبْد على الله حق توكله وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل لَهُ ربه مخرجًا من ذَلِكَ وكفاه ونصره.
السبب الخامس: فراغ الْقَلْب من الإنشغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كُلَّما خطر لَهُ، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه ولا يملأ قَلْبهُ بالفكر فيه، وَهَذَا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على على إندفاع شره فَإِنَّ هَذَا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه.
فإذا لم يتعرض لَهُ ولا تماسك هُوَ وإياه بل إنعزل عَنْهُ لم يقدر عَلَيْهِ. فإذا تماسكا وتعلق كُلّ منهما بصاحبه حصل الشَّر، وهكَذَا الأرواح سواء. فإذا علق روحه وشبثها به وروح الحاسد الباغي متعلقة به يقظة ومنامًا، لا يفتر عَنْهُ، وَهُوَ يتمنى أن تماسك الروحان ويتشبثا.
فإذا تعلقت روح كُلّ منهما بالأخرى عدم الْقَرَار، ودام الشَّر حَتَّى يهلك أحداهما، فإذا جبذ روحه منه وصانها عَنْ الفكر فيه والتعلق به، وأن لا يخطره بباله. فإذا خطر بباله بادر إِلَى محو ذَلِكَ الخاطر، والإنشغال بما هُوَ أنفع لَهُ وأولى به، وبقى الحاسد الباغي يأكل بعضه بَعْضًا.
فإن الحاسد كالنار، فإذا لم تجد ما تأكله أكل بعضها بَعْضًا، وَهَذَا باب عَظِيم النفع لا يلقاه إلا أصحاب النُّفُوس الشريفة والهمم العلية، وبين الكيس والفطن وبينه حَتَّى يذوق حلاوته وطيبه ونعيمه كأنه يرى من أعظم عذاب الْقَلْب والروح إشتغاله بعدوه، وتعلق روحه به، ولا يرى شَيْئًا ألم لروحه من ذَلِكَ.
ولا يصدق بهذا إلا النُّفُوس المطمئنة الوادعة اللينة، التي رضيت بوكالة الله لها، وسكنت إليه، واطمأَنْتَ به، وعلمت أن ضمانه حق، ووعده صدق، وأنه لا أوفى بعهده من الله، ولا أصدق منه قِيلاً، فعلمت إن نصره لها أقوى وأثبت وأدوم، وأعظم فائدة من نصرها هِيَ لنفسها، أَوْ نصر مخلوق مثلها، ولا يقوى على هَذَا السبب إلا بالسبب السادس.
وهو الإقبال على الله، والإِخْلاص لَهُ، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه فِي محل خواطر نَفْسهُ، وأمانيها تدب فيها دبيب تلك الخواطر شَيْئًا فشَيْئًا حَتَّى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية.
فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كُلّهَا فِي محاب الرب، والتقرب إليه وتمليقه وترضيه، وإستعطافه وذكره، كما يذكر المحب التام المحبة محبوبه المحسن إليه الَّذِي قَدْ امتلأت جوانحه من حبه، فلا يستطيع قَلْبهُ إنصرافًا عَنْ ذكره ولا روحه إنصرافًا عَنْ محبته.
فإذا صَارَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يرضى لنفسه أن يجعل بيت أفكاره وقَلْبهُ معمورًا بالفكر فِي حاسده والباغي عَلَيْهِ، والطَرِيق إِلَى الإنتقام منه، والتدبير عَلَيْهِ، هَذَا ما لا يتسع لَهُ إلا قلب خراب لم تسكن فيه محبة الله وإجلاله وطلب مرضاته.
بل إِذَا مسه طيف من ذَلِكَ واجتاز ببابه من خارجه ناداه حرس قَلْبهُ: إياك وحمى الملك، اذهب إِلَى بيوت الخانات التِي كُلّ من جَاءَ حل فيها، ونزل بها، مالك ولبيت السُّلْطَان الَّذِي أقام عَلَيْهِ اليزك وأدار عَلَيْهِ الحرس، وأحاطه بالسور.
قَالَ تَعَالَى حكاية عَنْ عدوه إبلَيْسَ، أنه قَالَ: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، فقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}.
وقَالَ: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}، وقَالَ فِي حق الصديق يوسف صلى الله عَلَيْهِ وسَّلم: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.
فأعظم سعادة من دخل هَذَا الحصن، وصار داخل اليزك، لقد آوى إِلَى حصن لا خوف على من تحصن به ولا ضيعة على من آوى إليه، ولا مطمَعَ للعدو فِي الدنو إليه منه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
السبب السابع: تجريد التوبة إِلَى الله مِنَ الذُّنُوب التي سلطت عَلَيْهِ أعداءه، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، وقَالَ لخَيْر الخلق وهم أصحاب نبيه دونه صلى الله عليه وسلم: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}.
فما سلط على الْعَبْد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أَوْ لا يعلمه، وما لا يعلمه الْعَبْد من ذنوب أضعاف ما يعلمه مَنْهَا، وما ينساه مِمَّا عمله أضعاف ما يذكره، وَفِي الدُّعَاء المشهور: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنَا أعْلَمُ، واستغفرك مِمَّا لا أعْلَمُ».
فما يحتاج الْعَبْد إِلَى الاستغفار منه مِمَّا لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سلط عَلَيْهِ مؤذ إلا بذنب. ولقى بَعْض السَّلَف رجل فأغلظ لَهُ ونال منه، فقَالَ لَهُ: قف حَتَّى أدخل البيت، ثُمَّ أخَرَجَ إليك، ودخل فسجد لله وتضرع إليه وتاب وأناب إِلَى ربه.
ثُمَّ خَرَجَ إليه فقَالَ لَهُ: ما صنعت؟ فقَالَ: تبت إِلَى الله من الذنب الَّذِي سلطك به عليَّ. فلَيْسَ للعبد إِذَا بغى عَلَيْهِ وأوذي وتسلط عَلَيْهِ خصومه شَيْء أنفع لَهُ من التوبة النصوح. وعلامة سعادته: أن يعكس فكره ونظره على نَفْسهُ وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحها وبالتوبة مَنْهَا، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما أنزل به، بل يتولى هُوَ التوبة وإصلاح عيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عَنْهُ ولا بد.
فما أسعده من عبد، وما أبركها من نازلة نزلت به، وما أحسن آثارها عَلَيْهِ، ولكن التَّوْفِيق والرشد بيد الله، لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع. فما كُلّ أحد يوفق لهَذَا، لا معرفة به، ولا إرادة لَهُ، ولا قدرة عَلَيْهِ، ولا حول ولا قوة إلا بِاللهِ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فَإِنَّ لِذَلِكَ تأثيرًا عجيبًا فِي دفع البَلاء، ودفع العين، وشر الحاسد، ولو لم يكن فِي هَذَا إلا بتجارب الأمم قديمًا وحديثًا لكفى به. فما تكاد العين والحسد والأَذَى يتسلط على محسن متصدق.
وَإِذَا أصابه شي من ذَلِكَ كَانَ معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد وكَانَتْ لَهُ فيه العافية الحميدة. فالمحسن المتصدق فِي خفارة إحسانه وصدقته، عَلَيْهِ من الله جنة واقية وحصن حصين.
والجملة: فالشكر حارس النعمة من كُلّ ما يكون سببًا لزوالها. ومن أقوى الأسباب: حسد الحاسد والعائن، فإنه لا يفتر ولا يني ولا يبرد قَلْبهُ حَتَّى تزول النعمة عَنْ المحسود فحينئذ يبرد أنينه، وتنطفئ ناره، لا أطفأها الله.
فما حرس الْعَبْد نعمة الله عَلَيْهِ بمثل شكرها، ولا عرضها للزَوَال بمثل الْعَمَل فيها بمعاصي الله، وَهُوَ كفران النعمة، وَهُوَ باب إِلَى كفران المنعم.
فالمحسن المتصدق يستخدم جندًا وعسكرًا يقاتلون عَنْهُ وَهُوَ نائم على فراشه، فمن لم يكن لَهُ جند ولا عسكر، وله عدو، فإنه يوشك أن يظفر به عدوه، وإن تأخرت مدة الظفر، والله المستعان.
السبب التاسع: وَهُوَ من أصعب الأسباب على النفس وشقها عَلَيْهَا، ولا يوفق لها إلا من عظم حظه من الله وَهُوَ إطفاء نار الحسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكُلَّما ازداد أذى وشرًا وبغيًا وحسدًا، ازدادت إليه إحسانًا، وله نصيحة، وعَلَيْهِ شفقة.
وما أظنك تصدق بأن هَذَا يكون، فضلاً عَنْ أن تتعاطاه، فاسمَعَ الآن قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
قَالَ: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}. وتأمل حال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ ضربه قومه حَتَّى أدموه، فجعل يسلت الدم عَنْهُ وَيَقُولُ: «اللهم اغفر لقومي فَإِنَّهُمْ لا يعلمون». كيف جمَعَ فِي هَذِهِ الكلمَاتَ أربع مقامَاتَ من الإحسان، قابل بها إساءتهم العظيمة إليه:
أحدها: عفوه عنهم، والثاني: استغفاره لَهُمْ، والثالث: اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون، والرابع: استعطافه لَهُمْ بإضافتهم إليه «اغفر لقومي»، كما يَقُولُ الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به، هَذَا ولدي، هَذَا غلامي، هَذَا صاحبي، فهبه لي. واسمَعَ الآن ما الَّذِي يسهل هَذَا على النفس، ويطيبه إليها وينعمها به.
اعْلَمْ إن لَكَ ذنوبًا بينك وبين الله، تخاف عواقبها، وترجوه أن يعفو عَنْهَا ويغفرها لَكَ ويهبها لَكَ، ومَعَ هَذَا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حَتَّى ينعم عَلَيْكَ ويكرمك، ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله.
فإذا كنت ترجو هَذَا من ربك، وتحب أن يقابل به إساءتك فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه، وتقابل به إساءتهم ليعاملك الله تلك المعاملة.
فإن الجزاء من حسن الْعَمَل، فكما تعمل مَعَ النَّاس فِي إساءتهم فِي حقك، يفعل معك فِي ذنوبك وإساءتك جزاءً وفاقًا، فانتقم بعد ذَلِكَ أَوْ اعف، وأحسن أَوْ اترك، فكما تدين تدان وكما تفعل معه يفعل معك.
فمن تصور هَذَا المعنى، وشغل به فكره، هان عَلَيْهِ الإحسان إِلَى من أساء إليه، وَهَذَا مَعَ ما يحصل لَهُ بذَلِكَ من نصر الله ومعيته الخاصة، كما قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم للذي شكي إليه قرابته، وأنه يحسن إليهم، وهم يسيئون إليه فقَالَ: «لا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذَلِكَ».
هَذَا مَعَ ما يتعجله من ثناء النَّاس عَلَيْهِ ويصيرون كلهم معه على خصمه فَإِنَّ كُلّ من سمَعَ إنه محسن إِلَى ذَلِكَ الغير، وَهُوَ مسيء إليه وَجَدَ قَلْبهُ ودعاءه وهمته مَعَ المحسن على المسيء وَذَلِكَ أمر فطري، فطر الله عَلَيْهِ عباده، فهو بذَلِكَ الإحسان قَدْ استخدم عسكرًا لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه أقطاعًا ولا خيرًا.
هَذَا مَعَ أنه لابد له من عدوه وحاسده من إحدى حالتين: أما أن يملكه بإحسانه، فيستعبده وينقاد لَهُ ويذل لَهُ ويبقى النَّاس إليه، وأما يفتت كبده ويقطع دابره، وإن أقام على إساءته إليه، فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه.
ومن جرب هَذَا عرفه حق المعرفة، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ والمعين، بيده الْخَيْر كله، لا إله غيره، وَهُوَ المسئول أن يستعملنا وإخواننا فِي ذَلِكَ بمنه وكرمه وَفِي الجملة ففي هَذَا المقام من الفَوَائِد ما يزيد على مائة منفعة للعبد عاجلة وآجلة.
السبب العاشر: وَهُوَ الجامَعَ لِذَلِكَ كله، وعَلَيْهِ مدار هَذِهِ الأسباب وَهُوَ تجريد التَّوْحِيد، والترحل بالفكر فِي الأسباب إِلَى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بإن هَذِهِ الآيات بمنزلة حركات الرياح وهي بيد محركها، وفاطرها وبارئها، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه.
فهو الَّذِي يحسن عبده بها، وَهُوَ الَّذِي يصرفها عَنْهُ وحده لا أحد سواه، قَالَ تَعَالَى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ}.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «واعْلَمْ أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشَيْء لم ينفعوك إلا بشَيْء كتبه الله لَكَ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشَيْء لم يضروك إلا بشَيْء كتبه الله عَلَيْكَ».
فيرى أن أعماله فكرة فِي أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جرد توحيده لكَانَ لَهُ فيه شغل شاغل والله يتولى حفظه والدفع عَنْهُ، ولابد وإن مزج لَهُ وإن كَانَ مرة ومرة فالله لَهُ مرة ومرة.
كما قَالَ بَعْض السَّلَف: من أقبل على الله بكليته أقبل الله عَلَيْهِ جملة ومن أعرض عَنْ الله بكليته أعرض الله عَنْهُ جملة ومن كَانَ مرة ومرة فالله مرة ومرة، فالتَّوْحِيد حصن الله الأعظم الَّذِي من دخله كَانَ من الآمنين.
قَالَ بَعْض السَّلَف: من خاف الله خافه كُلّ شَيْء، ومن لم يخف الله أخافه من كُلّ شَيْء.
هذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر، ولَيْسَ لَهُ أنفع من التوجه إِلَى الله وإقباله عَلَيْهِ، وتوكله عَلَيْهِ، وثقته به، وأن لا يخاف معه غيره، بل يكون خوفه منه وحده، ولا يرجو سواه، بل يرجوه وحده.
فلا يعلق قَلْبهُ بغيره، ولا يستغيث بسواه، ولا يرجو إلا إياه، ومتى علق قَلْبهُ بغيره ورجاه وخافه وكل إليه وخذل من جهته، فمن خاف شَيْئًا غير الله سلط عَلَيْهِ، ومن رجا شَيْئًا سِوَى الله خذل من جهته وحرم غيره، وهذه سُنَّة الله فِي خلقه، ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً.
وَإِذَا اعْتَمَدْتَ عَلَى الإِلَهِ حَقِيقَةً ** نَمْ فَالْمَخَاوِف كُلّهُنَّ أَمَان

اللَّهُمَّ ألهمنا ذكرك وشكرك وارزقنا الاستقامة طوع أمرك وتفضل عَلَيْنَا بعافيتك وجزيل عفوك. وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَرَى الصَّبْرَ مَحْمُودًا وعنَّهُ مُذَاهِبٌ فَكَيْفَ ** إِذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ مَذْهَب

هُنَاكَ يَحِقّ الصَّبْرَ وَالصَّبْر وَاجِب ** وَمَا كَانَ مِنه لِلضَّرُورَة أَوْجَب

هُوَ الْمَهْرَبُ الْمُنْجِي لَمَنْ أَحْدَقَتْ بِه ** مَكَارِه دَهْر لَيْسَ مِنْهُنَّ مَهْرَب

اعد خِلالاً فَليه لَيْسَ لِعَاقِلٍ ** مِنَ النَّاس إِنْ انْصَفَن عَنْهُنّ مَرْغَب

لَبُوسُ جَمَالٍ جُنَّةٌ مِنْ شَمَاتَةٍ ** شِفَاءُ آسُّى يُثْنَى بِهِ وَيُثَوَّبُ

فَيَا عَجَبًا لِشَيءٍ هَذِي خِلاله ** وَتَارِكْ مَا فِيهِ مِنْ الْحَظِّ أَعْجَبُ

آخر:
كُنْ حَلِيمًا إِذَا بُلِيتَ بغَيْضٍ ** وَصَبُورًا إِذَا أَتَتْكَ مُصِيبة

فَاللَّيَالِي كَأَنَّهُنْ حُبَالَى ** مُثْقلات يَلِدْنّ كُلّ عَجِيب

آخر:
اصْبِرْ فَفِي الصَّبْرِ خَيْر لَوْ عَلِمْتَ بِهِ ** لَكُنْتَ بَارَكْتَ شُكْرَ أَصْحَابِ النِّعَمِ

آخر:
إِنِّي رَأَيْتُ الصَّبْرَ خَيْر مُعَوَّل ** فِي النَّائِبَاتِ لَمَنْ أَرَادَ مُعَوَّلا

فَإِذَا نَبَا بي مَنْزِلٌ جَاوَزْتُهُ ** وَجَعَلْتَ مِنْهُ غَيْرَهُ لي مَنْزِلا

وَإِذَا غَلا شَيْء عَلَيَّ تَرَكْتُهُ ** فَيَكُونُ أَرْخَصُ مَا يَكُونُ إِذَا غلا

آخر:
صَبِرْتُ عَلَى بَعْضِ الأَذَى خَوْف كله ** وَأَلْزَمْتُ نِفْسِي صَبْرَهَا فَاسْتَقَرَّت

وَجَرَّعْتُهَا الْمَكْرُوهَ حَتَّى تَدَرَّبَتْ ** وَلَوْ حُمِّلْتَهُ جَمْلَةً لاشْمَأَزَّتْ

فَيَا رَبِّ عِزّ جر لِلنَّفَسِ ذلةً ** وَيَا رَبّ نَفس بِالتَّذَلُل عَزَّتْ

وَمَا الْعِزّ إِلا خِيفَة الله وَحْدَهُ ** وَمَنْ خَافَ مِنْهُ خَافَهُ مَا أقُلْتُ

وَمَا صِدْقُ نَفْسِي إِنَّ فِي الصِّدْقِ حَاجَتِي ** فَارْضي بِدُنْيَايَ وِإِنْ هِيَ قَلَّت

وَاهْجُرْ أَبْوَابِ الْمُلُوكَ فَإِنَّنِي ** أَرَى الْحِرْصَ جَلابَا لِكُلّ مَذَلّة

إِذَا مَا مَدَدْتَ الْكَفَّ الْتَمْس الْغنى ** إِلَى غَيْرَ مَنْ قَالَ اسْأَلُونِي فَشُلَتْ

إِذَا طَرَقَتْنِى الْحَادِثَاتِ بِنَكْبَةِ ** تَذَكَّرْتُ مَا عُوفِيت مِنْه فَقَلَّتْ

وَمَا نَكْبَة إِلا وَللهِ مِنَّةٌ ** إِذَا قَابَلْتَهَا أَدْبَرْتَ وَاضْمَحَلْت

اللَّهُمَّ باعد بيننا وبين خطايانَا كما باعدت بين المشرق والمغرب ونقنا من الخطايا كما ينقى الثوب الأَبْيَض من الدنس، اللَّهُمَّ ظلمنا أنفسنا فاغفر لَنَا ذنوبنا وهب لَنَا تقواك واهدنا بهداك ولا تكلنا إِلَى أحد سواك واجعل لَنَا من كُلّ هم فرجًا، ومن كُلّ ضيق مخرجًا، اللَّهُمَّ أعذنا بمعافاتك من عقوبتك وبرضاك من سخطك، واحفظ جوارحنا من مخالفة أمرك واغفر لَنَا ولوالدينا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.